كانت الامهات قديما تنهر أولادها فى الاتوبيسات وفى
الترام إذا كانوا يجلسون على كراسى وأحد من الركاب الاكبر سنا يقف ولم يجد له كرسى
فالامهات تزرع فى أبنائها احترام الاكبر سنا فترى حصاد لذلك بالاطفال يتسابقون فيما بينهم فى المواصلات وهم
بصحبة أسرهم ليجلس الاكبر سنا بديلا عنهم
وكانوا ينتظرون
الابتسامة التى يرسلها لهم أبويهم لتشجيعهم بذلك
وهذا هو الحال بالاسكندرية حتى ما
قبل 2002
ثم تطور الامر وإنقلب 180 درجة بعد أن أصبح للكمسرى نسبة من بيع التذاكر فإذا كل كمسرى يُحصل ثمن التذكرة من كل من يراه طفلا كان أو شيخا
عكس ذي قبل الذين كانوا
لا يأخذون على الاطفال والتلاميذ
لان كان للكمسرى مرتب ثابت أم الان فقد أصبح شريك وأرباحه ستأتى كلما كان
هناك تحصيل أكثر
فأصبحت الامهات تعاند وتجلس أبنائها على كراسي بعد أن
يلح الكمسرى ويأخذ تذكرة للاطفال وتخبر
الامهات أبنائها وهي فى شدة غيظها على التذكرة التى دفعتها لطفليها بأن لا يقوم أحد منهم من مكانه مهما كان.
ظنا منها بذلك أنها تعاند الكمسرى لا انها بذلك تقتل القيم داخل ابنائها ..
وإذا طلب أحد من الركاب
أن يجلس مكان طفل منهم تدخل هى منفعلة ..بأنها دفعة لهم ثمن تذكرة
فيخجل الراكب وينصرف من أمامها
فتعلم الجيل الجديد أن لا يقوم لاحد أى من كان طالما
دافع ثمن لتلك التذكرة الملعونة فأصبح
ذلك العرف من ذلك الزمان.
والمضحك أن الامهات جميعا اتـخذت نفس المنهج فأطفالها
لا يقومون لاحد
ولكن إن ركبت هى مواصلات ولم تجد مكان فتنتظر من الجميع
أن يقوم لها.
ونخرج من الاسكندرية قليلا ونذهب الى القاهرة
الساهرة ...كنت فى بداية أيامى بها أقوم للجميع عن نفس راضية ولكن من عاشر القوم
اربعين يوم صار منهم...ولم أحب أن أفسد ذلك المثل لهم ففعلت كما يفعلون تماما .
1
ركبت ذات يوم القطار المميز من القاهرة قاصدا دمنهور
والكراسى عبارة عن مربعات أى أن كل مربع
يحتوى على 4 كراسي كل كرسين وجها لوجه
وقبل إنطلاق القطار بدقائق إكتظ عن أخره بالركاب ومن حسن الحظ أن كنت جالسا
على كرسى بجوار النافذة ولم يكن هناك مكان
لموضع قدم فارغ
ركب شاب ومعه فتاة وهما فى العشرينات تقريبا والقطار
مكتظ بالركاب فأوقف ذلك الشاب الفتاة بين الكرسى
الذي أجلس فيه وأعطت تلك الفتاة ظهرها للنافذة مستندة عليه ووجها للداخل
ثم أخذتنى شهامة الاسوانية وقولت لها إتفضلى استريحى وقمت وأجلستها
مكانى..فشكرتنى الفتاة ولم اكن أنتظر ذلك
وخرجت أنا أقف بجوار الرجل الستينى الذي يجلس بجوارها من الجهة الاخرى
أما الشاب الذى كان معها فإنه وقف على الباب يدخن سيجارة
ووجه لخارج القطار
وكان الرجل الذي
بجوار تلك الفتاة منهمكا فى قراءة الجريدة التى يحملها وكنت ملاصقا له وكنت أختلس النظرات بين الحين
والحين وأقرا عناوين بعض الاخبار معه
وإذا بالقطار يقترب من أول محطة له وهى بنها ومن حسن الحظ الرجل الذى كنت أقف بجواره يلملم
أشياءه إستعدادا بالنزول .
والطبيعى إننى أقرب شخص له فأنا بجواره مباشرة إذا فأنا من سيأجلس على ذلك الكرسى وإذا بالرجل
يقوم وأنا أفتح له بعض الطريق يساعده على الخروج لاجلس مكانه
إذا بالفتاة التى قمت لها تسرع وتضع شنطتها على ذلك الكرسى الذى
بجوارها ثم تقف وتنادى على ذلك الشاب الذى
كان معها وهى تقول : حسااام ...ثم تكرر
يا حسام
تعالى فى كرسى فاضى ..فإذا حسام يتخطى كل الموجودين وكل
الواقفين ويسرع لذلك الكرسى
إنتظرت أنا وأنا فى كامل غيظى حتى اتى حسام ووصل
بالسلامة لذلك الكرسى وأوسعت له بنفسى لكى
يجلس هو القادم من الخلف ليجلس بدلا منى ورفعت هى شنطتها ليجلس حسام بااشا
وما إن جلس هو
حتى وجهت لها كلامى لها مباشرة .....لو سمحتى يا انسة
عايز أقعد على الكرسى اللى أقعدك عليه من شوية علشان رجلى وجعتنى
فتمتمت هى مع حسام
بكلمات..ففهم هو منها إننى قمت من مكانى و اجلستها
ورحمتها من الوقوف .
ثم قام هو من مكانه
وقال لى تعالى اقعد يا باشا .
ولكننى قولت لها
ممكن بقى تيجى على الكرسى التانى دقيقتين بس علشان عايز أشرب سيجارة جنب الشباك والدخان ميخنقش الناس بس
ثم قامت هى
وجلست أنا على الكرسى الذى قمت أنا من عليه بجوار النافذة فى انتظار انتهاء السيجارة التى قولت لهم عليها
ووقف حسام بجانبها ليحميها من ملاصقة الزحام من الوقوف
الناس بجوارها فهى تجلس بجوار الممر حتى
انتهى أنا من سيجارتى ........ولكن الحقيقة إننى لا أدخن مطلقا وما إن جلست على الكرسى
فوضعت رأسى على الشباك وقولت للشاب
الذى امامى وكان يبتسم من الحوار ...تصبح على خير وتظاهرت بالنوم
2
وأتذكر إننى كنت راكبا المترو
بالقاهرة ذات مرة ظهرا وكان موعد خروج الموظفين من أعمالهم
ولمترو القاهرة عربيتين فى كل قطار
مخصصتين للسيدات فقط
ولكن بعض السيدات لا تحب ركوب
عربات السيدات وتفضل عربات الرجال عنهم .
ولربما يكون ذلك لانها ستضمن أحد
من الرجال سيقوم لها من على كرسييه ويجلسها مكانه .أم لو ركبت عربة السيدات وهى فى
التسعين من عمرها حتى فلن تقوم لها إمراة أخرى
والسيدة التى أتحدث عنها فى
الاربعينات تقريبا من عمرها وليست لعجوز فنلتمس لها العذر بأنها لن تسطيع المشى
الى منتصف العربات لتركب مع السيدات ولكن
هى بكامل صحتها
فرأت شاب فى مرحلته الثانوية
تقريبا فحاولت الوصول أمامه حتى وصلت ووقفت امامه مباشرة ظنا منها إنها سيقوم لها
ولكن ذلك الشاب لم يحرك لها
ساكنا.... فمالت المرأة وكأنها لا تسطيع الحفاظ على توازنها والمترو يسير حتى
يلتفت الشاب ويخلى عنده دم
ولكن الشاب /نظر اليها و لم يقم
لها ايضا
ثم قالت هى لذلك الشاب وكأنها تطلب
حق من حقوقها فى الميراث..لا إن هذه خدمة ذوقية لا تطلب ولا تستجدى
قالت له بصوت أقرب منه الى
الامر...لو سمحت عايزة أقعد
نظر الشاب اليها /ثم قال لها مبتسما وكأنه يعرفها من قبل وهو يقول حضرتك موظفة
ردت وهى مسرورة /ظن منها أنها
يعرفها وسيخلصها من الزحام بين الرجال التى وضعت نفسها به
قالت له : ايووة
فما كان من ذلك الشاب : الا أن قال
لها بطريقة ساخرة طب ما حضرتكوا طول النهار
قاعدين على مكاتب مش قادرين تقفوا
ربع ساعة فى المواصلات وبعدين
حضرتك فى عربيتين للسيدات
فأحُرجت المرأة من رده خجلا وهى لا تسطيع الرد عليه ..وتفأجئ أيضا الذين
كانوا ينصتون للحوار بل إن بعضهم رفع رأسه
بين الوقوف ليرى ذلك الشاب الوقح من وجهة نظرهم من نظراتهم اليه
فإذا بأحد الجالسين بجوار ذلك
الشاب يتدخل/قائلا لتلك السيدة تعالى
إتفضلى مكانى
فردت هى وكأن تريد أن الارض تبلعها
فى ذلك الوقت من االاحراج قائلا
له لا خليك شكرا والله
..أنا خلاص نازلة المحطة الجاية
3
وظهرت عادة أيضا عند البعض ألا وهى توريث الكرسى فى المواصلات
.فالراكب أو الراكبة إذا أتت محطة نزوله لن يترك مكانه لاى شخص هباءا ييجى يجلس عليه بل
يتفحص وجوه الواقفين والواقفات ثم
يبحث عن احد من بين الركاب كبير فى السن
إذا أتت محطته ينادى عليه ليسرع هو أو هى ليلحق الكرسى وكأن هذا الكرسى
أملاك السيد الوالد أو قد يحسب نفسه إنه يحسن صنعا وإنه بذلك يأخذ الاجر والثواب
وأنا أميل إلى ان الاجر والثواب
إذا تحملت أنت مشقة الوقوف مكان شخص أخر
لا يستيطع الوقوف لمرض أو تعب أو كبر سن
لا أن تكون جالسا وأنت بكامل صحتك
وترى أحد يقف ولا يستطيع أن يتحمل الوقوف وتستمر أنت جالسا حتى إذا أتى ميعاد نزولك ناديت
عليه وكأنك تفعل الخير
4
والسيدات فى القطارات المميزة
يفعلون الافاعيل مع بعضهم البعض
فها هى إمراة تضع طفلها التى لم
يتجاوز عامين وتجلسه على كرسى
دون أن تدفع له شئ والقطار يزدحم
كعادته
فتأتى سيدة أخرى وتقول لها ممكن أقعد وأخذ الطفل على رجلى أو تشيله
انتى زى ما تحبى إختارى
فتنظر لها أم الطفل وهى تقول لها بمكر ودهاء
معلش مش هينفع علشان هو بيضايق
فردت عليها السيدة مستنكرة قولها
/طب هو قالك إزاى انه بيضايق فى السن ده
ثم سكتت السيدة وهى منصرفة عن تلك
المرأة بهدوء
5
وها هى السيدة المنقبة فى القطار
المميز الذهاب الى القاهرة من الاسكندرية
وتأتى محطة سيدى جابر ويزدحم القطار بالركاب ويسرع كل منهم بالبحث عن كرسى ليجلس
عليه
فيسأل شاب هذه السيدة المنقبة عن الكرسى الفارغ الذى بجوارها وتضع عليه هى
شنطتها . فتنظر هى وكانها تبحث عن شخص
سيركب من بين الركاب ثم تقول
له بص أقعد بص لو جت واحدة ست وملهاش كرسى تقوم لها هى أولى
فترى هذه السيدة براكبة ستركب
القطار وستضع قدميه على الباب فتنادى
عليها المنقبة وهى لا تعرفها من قبل وتقول لها
... خدىى تعالى
فما كان من ذلك الشاب اللى أصدر له
صوت خرج من أنفه ذو نغمة موسيقية مسلسلة يدل على إنه
مجرم عتيد وهو يقول له ..أنتى عايزة تختارى كمان مين يقعد جنبك ومين يقف.
إذبهلت السيدة من رده
.ثم يرفع هو الشنطة الخاصة
بها ويجلس عنوة وهو يقول لها
..اركبى يا اختى المكيف وأحجزيلك
كرسيين ..ام ده قطر الغلابة
وهنا تأتى الراكبة المستجدة وتبحث
عن السيدة التى نادت عليها ثم تراها
فتقول لها المنقبة :كنت حجزالك
بس هو أقعد بالعافية
فما كان من الراكبة المستجدة / الا
أن وجهت حديثها لذلك الشاب قائلة
لو سمحت الكرسى
فما كان الا رد الشاب منفعلا/
روحى يا ست الله يساهلك مش ناقصة
مشاكل ع الصبح
فردت الراكبة / يعنى انت
هتقعد وأنا يا ست هقف
فرد الشاب / لا انتى امى ولا اختى
ولا خالتى ولا عمتى وماله لما توقفى
فإذا براكب يجلس على الكرسى
المجاور يتدخل موجها كلامه لذلك الشاب / قائلا
على فكرة يا استاذ مينفعش ست تقف وشاب
قاعد
فرد عليه الشاب /قائلا خلاص
قوملها انت يا تخليك فى حالك
فما كان من الرجل الا إنه فضل أن
يخليه فى حاله وأستمرت الراكبة واقفة حتى
محطة دمنهور
وقد إكتشفت أن جميع الناس فى
المواصلات بلا إستثناء ينتظرون من الشاب
أن يقوم من مكانه لهم فقط لانه شاب حتى لو
كان مريضا أو مرهقا أو عائدا من سفر أو جيش وإذا
تسألت عن السبب يقولون لك إنت لسه
صغير وتستحمل
وفى نفس الوقت لا يجرؤن أن
يطلبوا ذلك الطلب من أم تجلس طفلها الصغير ذو الخمس سنوات بجوارها على
كرسى وإذا تسألت يقولون لك أصله صغير
وميقدرش يستحمل الوقوف
اترك تعليقا: