-->

طلبة الشيال


طلبة الشيال
يتحدث طلبة الشيال عن نفسه فيقول إنه من أبناء الدقهلية ،
ونزح إلى الاسكندرية لأن أجره من العمل فى الارض لا يكفى لملء معدته
كان يشوي خمسين كوزا من الذرة ويأكلها ويقول هل من مزيد؟
يأكل قفتين من البلح الأخضر الفج ولا يشبع!
ويسأله أحد أبناء التجارعن سعة القفة وما تستوعبه من البلح.
فيقول:ثلاث أجات،أربع أجات(أقات)
ويسأله الاخر :تقدر تأكل صنية هريسة يا طلبة؟
ويقول: أكلها ،بس الرهان على نص ريال،
ويشترك أبناء التجار فى شراء صنية هريسة يبلغ نصف قطرها ستين سنتيمترا قد يعجز عن إلتهامها عشرون من أكله الرجال الشرهين.
ثم يجتمعون حوله ليضحكوا منه وهو يزدرد الهريسة المصنوعة بالسمن الشيحي المحشوة بالجوز والصنوبر ،وكل منهم يثبط همته ويبشره بالإخفاق ودفع الرهان.
ولكنه يخيب ظنهم ،ويأتى على الصينية فى نصف ساعة
ويقول:معاكوا النص ريال
صار طلبة منصة لاهل السوق ،ولغيرهم من المولعين بمشاهدة العجائب ولا يمر أسبوع دون أن يجد من يراهنه على أكل عشر أقات من الموز أو مائة سلطانية من العاشورة ،أو مشنة جميز
مر على باب الوكالة بائع يدفع عربية محملة بالرمان القبرصى وقد فلق منها عدة رمانات وبقت حباتها الباقية تلمع فى النور.
فقال أحدهم :تأكل كام أقة رمان يا طلبة؟
فقال: مفيش كام، أكل رمان من الصبح للضهر
وتحاشي الناس مراهنته على المأكولات اللذيذة ،فراهنوا على ماكولات غير لذيذة ،أحضروا له ماجورا كبيرا من الفول المهروس المعد للطعمية ،فأكله بنفس الشهية التى يأكل بها الهريسة والعاشوراء وأخذ الرهان.
وقدرة فول مدمس أكلها بلا زيت ولا ملح ولا خبز واخذ الرهان.
تركوا الأطعمة والحلوي ،وإقترحوا عليه أنواع أخري.
قدح من  الملح الرشيدي الخشن يأكله بنصف أقة صابون مطبخ  والرهان ريال... وكسب طلبة الرهان.
فردة حذاء قديمة يقطعها كالبسطرمة ويمضغها ويمزمزها وقد فعل
خمارة بخورا
كانت خمارة بخورا اليهودى تقع تحت منزل قديم فى حى الحلوجي،وكان زبونها يدخل من باب لا يزيد إرتفاعه عن متر واحد ثم ينزل بثلاث درجات إلى فناء واسع أسود الجدران،تتدلي فوقه ستائر من نسيج العنكبوت،وفى وسط الفناء مائدة مستطيلة من الخشب القديم على جانبيها مقعدان فى طولها ،وعليها يجلس الزبائن متراصين جنبا إلى جنب ومتقابلين وجها لوجه.
كأس الزبيب أو عرق البلح بخمسة مليمات ،يقدمه للزبون ومعه نصف رغيف وسيجارة من النوع الرخيص
هذه التشكيلة من الخمر والغذاء والكيف ،إستهوت فقراء المدمنين من عمال وشيالين ومتسولين.
كان بعضهم يدخل الحانة بورقة سمك مشوي أو صحن كرشة ويقوم بعد عدة كؤوس شبعان ،ريان ،نشوان
جاء بخورا فى أحد الأيام إلى الوكالة التى يعمل فيها طلبة ،وإشتري منها خمسين طردا من العجوة مضي عليها أكثر من عامين فى مخزن التاجر ،وأصبحت لا تصلح إلا للتقطير.
لحمالين يلقونها فى البحر.
باع الاربعين طردا بجنيه واحد.
وطفق طلبة يحمل الطرود ويلقيها فى حوش الوكالة ،فلا يكاد الطرد يصل إلى الارض حتى يتشقق ويتناثر منه التمر التالف المتآكل.
وفى هذه الآونة جادت السماء بوابل من المطر ،فتحولت أرض الوكالة إلى وحل غليظ .مرصح بالعجوة تطؤه أقدام الداخلين والخارجين.
ودخل الوكالة يهودى مبرنط من محصلى البنوك ،متأبطأ حقيبته الثمينة ،وقال وهو ينظر الى العجوة :
-        مين يأكل الوساخة دي؟
-        فأجابه طلبة : أنا أكلها.
-        وانحنى على الارض .وجمع بيديه نحو أقتين من العجوة والوحل
-        وقال: تدفع نص ريال وأنا أكل دول؟
-        فقال المحصل: ولو مكلتهمش؟
-        فقال طلبة :أدفع ليك أنا نص ريال
ثم قال طلبة لرئيس الشيالين:
خذ منه النص ريال يا عم الحاج على ..وإذا انا خسرت الرهان إدفع له نص ريال من حسابي.
ودفع المحصل اليهودى نصف الريال وهو واثق من أنه سيسترده ويكسب نصف ريال أخر .
كان بخورا متغيبا ،فلما عاد ،كان طلبة يلتهم الجزء الاخير من العجوة.
ويمد يده لرئيس الحمالين
-        هات النص ريال يا عم الحاج على
-        خد يا طلبة ... حلال عليك.
ولما علم بخورا بجلية الأمر ، صرخ خانقا محتجا:
-النص ريال ده ليه أنا...ده إتراهن على بضاعتي ..بضاعتى  اللى شاريها بمالي

ولكن محصل البنك قال لبخورا :فى داهية على النص ريال ،ده هيموت الليلة.


فى المساء كان طلبة بين زبائن الخمارة ينتظر كأس العرق ونصف الرغيف والسيجارة.
ولكن الخواجة بخورا وضع أمامه الكأس، ولا شي معه.

-        فين السجارة والنص رغيف
-        عليك نص ريال كسبته من عجوتي وعليك ثمن وقتين عجوة أكلتهم .
-        وهم طلبة واقفا وقال:مش عايز أسكر عندك.
وعز على بخورة أن يفقد أحد زبائنه فنادى أحد أولاده ..هات هنا شقة عيش يا إيزاك.
فقال طلبة :العيش والسيجارة ..أنا بأجى هنا علشان سيجارة الدخان.
فقال بخورا لابنه ،هات السيجارة وبلاش العيش
ثم قال لطلبة :حاتدفع لى النص ريال من تمن شقة العيش فى ميت يوم يعنى كل يوم مليم
وللخواجة بخورا ثلاث أبناء يساعدونه فى الخمارة ..وكان أكبرهم فى الثانية عشرة من عمره ..ويمتاز عن أخويه بقبقاب يلبسه فى قدميه القذرتين

     بيرم التونسي 
نشرت ف الجمهورية
يوليو 1957

شارك المقالة عبر:

اترك تعليقا: